العرب وإسرائيل...

 


العرب وإسرائيل.. العداء تراجع والنزاع يُراوح مكانه!

أكبر ما ضمنته إسرائيل من جيرانها العرب هو تخليهم عن منطق المواجهة العسكرية واستعداد جلّهم للتعايش معها. لكن العرب لم يضمنوا إلى حد الآن

موافقة إسرائيلية على قيام دولة فلسطينية بما ينهي النزاع الذي دخل عامه السبعين.

سبعون عاماً يمرّ على إعلان إسرائيل، محطات كثيرة مرت على هذا التاريخ في إطار نزاع بدأ عربياً - إسرائيلياً وبدأ يتحوّل في العقود الأخيرة إلى صراع فلسطيني -إسرائيلي. لم يصل النزاع إلى حل، لكن المطالب الفلسطينية - العربية (على المستوى الرسمي) تغيّرت مع الزمن، فمن رفض مطلق لأيّ اعتراف بإسرائيل ومن ثمة الدخول في مواجهات مسلّحة معها، إلى تبنيّ فكرة الدولتين والمطالبة باعتراف دولي بدولة فلسطينية على حدود 1967 عاصمتها القدس الشرقية.

تعدّ العلاقات العربية - الإسرائيلية مجالاً خصباً للدراسة، فليس العرب على قلب رجل واحد في نظرتهم إلى تل أبيب رغم إصدار الجامعة العربية لبيانات ختامية تتكرّر فيها الدعوة إلى السلام والتنديد بسياسة الاستيطان الإسرائيلية، ويمكن تقسيم الدول العربية في علاقاتها مع إسرائيل إلى ثلاثة محاور:

تطبيع رسمي للعلاقات: بدأت مصر هذا المسار منذ اتفاقية كامب دافيد عام 1978 بأن كانت أول دولة عربية تعترف رسمياً بإسرائيل، وهو ما كلفها تجميد عضويتها بالجامعة العربية لسنوات. لكن الموقف العربي صار أكثر ليوناً لاحقاً، خاصة بعد محادثات أوسلو عام 1993 التي اعترفت فيها منظمة التحرير الفلسطينية بإسرائيل، ثم جاء الموقف الأردني بعدها بسنة ليعلن الاعتراف عبر اتفاقية وادي عربة.

دول لا تزال تنظر إلى إسرائيل "عدواً": لم يتخذ كل جيران الموقف المصري - الأردني نفسه، فسوريا لا تزال رسمياً في حالة حرب مع إسرائيل. والتوتر لا يزال على أشده بين لبنان وإسرائيل، خاصة مع استمرار الحضور القوي لحزب الله في الجنوب اللبناني، ومع نشاط الحكومة اللبنانية في برامج مقاطعة إسرائيل. بعيداً عن الجيران، توجد دول أخرى لديها موقف متشدد حيال إسرائيل، خاصة العراق الذي لم يعدل لهجتها تجاه تل أبيب منذ عهد صدام حسين، والجزائر التي ترفض أيّ تقارب مع إسرائيل.

دول بمواقف مرنة: كل الدول العربية المتبقية لا تقيم حالياً علاقات ديبلوماسية مع إسرائيل، لكن مسؤولين منها التقوا رسمياً بمسؤولين إسرائيليين كما جرى بالمغرب وتونس، كما أن منها من ترتبط بعلاقات تجارية معها كقطر، وهناك تقارير عن علاقات  متعددة غير رسمية بين إسرائيل وجلّ الدول العربية. ثم جاء الموقف السعودي مؤخراً بالدفاع عن حق إسرائيل في الأرض ليؤكد التطور الحاصل في نظرة دول عربية متعددة إلى تل أبيب.

هل تتطوّر المواقف أكثر؟

بعد مرحلة الرفض والمواجهة العسكرية، ثم مرحلة محاولة التفاوض التي بدأت مع زيارة أنور السادات للقدس، وصلت الدول العربية في علاقتها مع إسرائيل إلى المرحلة الثالثة حسب رأي الكاتب الفلسطيني حسن خضر، وهي مرحلة طويلة الأمد عنوانها شبه قبول لإسرائيل من لدن الغالبية العظمى من الدول العربية، ممّا يعني تفاوضاً حول سبل التعايش. ويتابع خضر في تصريحات لـDW عربية أن حتى الدول العربية المحسوبة على معسكر الممانعة، لا تتبنى مواقف الإنكار المطلق لإسرائيل، فـ"لا أحد منها يدعو إلى شنّ الحرب على إسرائيل، وخلافها معها يتجسد في آفاق الحل وليس موقفا مبدئياً في رفض التفاوض".

يتفق جمال عبد الجواد، مستشار في مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، أن المبادئ ليست هي من تحدّد علاقة الدول العربية بإسرائيل، لكنه يشير إلى أمر آخر هو المصالح، إذ يقول لـDW عربية إن الدول العربية التي أقامت علاقات رسمية وغير رسمية مع تل أبيب فعلت ذلك لأجل مصالح معيّنة وليس لأجل دعم القضية الفلسطينية، متابعاً أن حتى "دول الممانعة" قد تغيّر مواقفها نتيجة المصالح أو التغيّرات الإقليمية كـ"خروج سوريا وإيران والعراق من الفلك الإيراني، وتغيّر موازين القوى في لبنان لصالح قوى لا تمانع تحقيق التقارب مع إسرائيل".

هل استفادت إسرائيل أمنياً؟

في عصر المواجهة العربية - الإسرائيلية، كانت إسرائيل تتهيّب من أيّ إعلان جديد للحرب عليها من قبل الدول العربية، لكن بعد 1973 لم تقع أيّ مواجهات تجمع تحالفاً عربياً موسعاً ضد إسرائيل رغم وقوع تطوّرات خطيرة كاجتياح الجيش الإسرائيلي للبنان 1982 - بل إن القمة العربية في فاس التي أعقبت الاجتياح أقرّت أول مشروع سلام إقليمي مع إسرائيل - وكذلك الأمر في حرب لبنان 2006 والحرب في غزة. كلها قرائن جعلت إسرائيل تستفيد أمنياً من تبني العرب للخيار الدبلوماسي وقبولهم المبدئي بوجودها، خاصة وأن السعودية وحلفاءها، باتوا يرون في إيران عدوهم الأول بالمنطقة، بما يجعلهم يتقاسمون الهدف ذاته مع تل أبيب.

غير أن جمال عبد الجواد يشير إلى أن تحوّلات المواقف العربية لم تعد تعني شيئاً لأمن إسرائيل: "لو صدرت التحوّلات العربية نهاية السبعينيات، في الوقت الذي كانت تحتاج فيه إسرائيل لشرعية عربية، لكان ذلك مفيداً لهذه الأخيرة. أما الآن، فقد ضمنت إسرائيل أمنها تماماً، ولا توجد أيّ تهديدات من دول الجوار، والاستفادة الوحيدة للدول العربية من تطوّر مواقفها، كالذي صدر عن السعودية، هو تعزيز مصالحها مع الولايات المتحدة"، يقول الخبير.


 

أيّ انعكاس على تأسيس الدولة الفلسطينية؟

منذ إعلان الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات قيام دولة فلسطين عام 1988 – ثاني إعلان فلسطيني بعد 1948- واعتراف الكثير من الدول بها يتوالى، لكن أقصى ما قدمته الأمم المتحدة لفلسطين هو صفة دولة مراقب غير عضو عام 2012، وهو ما اعتبره الفلسطينيون نصرا حوّل بلدهم من "كيان" إلى دولة. اليوم تبدو العلاقات العربية - الإسرائيلية في حالة جيدة، فهل يسرّع ذلك اعترافاً إسرائيلياً بدولة فلسطينية، خاصة وأن هذا الاعتراف من شأنه أن يذيب العراقيل المتبقية التي تتيح للمنتظم الدولي الإشارة إلى "الدولة الفلسطينية" بدل "السلطة الفلسطينية" المعمول بها حالياً؟

يجيب جمال عبد الجواد أن العرب أهدروا كل الفرص الممكنة لدفع إسرائيل نحو القبول بدولة فلسطينية وفق الشروط الحالية: "اتهموا الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة بالخيانة لما دعا إلى حلّ الدولتين عام 1965، والآن يطلبون ما هو أقّل بكثير ممّا كان ممكناً سابقاً. الحالة الآن تقترب من اليأس في تعديل الوضع" يقول عبد الجواد، لافتاً أن المبادرات العربية الحالية للتقارب مع إسرائيل "خجولة"، ولا تصل مثلاً إلى المبادرة التي قام بها أنور السادات عام 1977 بزيارته القدس، وبالتالي لن تدفع بإسرائيل، حسب رأيه، إلى تبنّي موقف مساندٍ لقيام دولة فلسطينية، على الأقل على المستوى القريب.

غير أن حسن خضر يحمّل المسؤولية إلى إسرائيل في هذا الصدد: "لا توجد رغبة من تل أبيب باستثمار ما يبديه العرب من رغبة في التعاون والتعايش. إسرائيل لا تدرك أهمية الدخول في علاقات جادة مع العالم العربي، وهناك رفض إسرائيلي مسبق للاتفاقيات التي تضمن قيام دولة فلسطين"، يقول الخضر، مبرزاً أن هناك تراجعاً إسرائيلياً عن مواقف سابقة كانت تساند قيام دولة فلسطينية، وأن هناك صعوداً غير مسبوق لليمين القومي الديني داخل إسرائيل، وما يشجعه على تبني خطابات متشددة، هو علاقاته القوية مع الولايات المتحدة، حسب رأي خضر.


 

العرب وإسرائيل.. السلام المستحيل

الجدار العربي يريد أن ينقض، وليس هناك من يستطيع أن يقيمه لأن هذا الجدار فقد تماسكه منذ سنوات حينما تحوَّل الكيان العربي الموحد إلى كيانات عربية متفرقة لا تتفق على شيء، وقد انسحب هذا على الموقف العربي من القضية الفلسطينية الذي ظل موقفا مهزوزا مهزوما وهو ما سمح للكيان الإسرائيلي بالاستثمار في الإخفاق العربي لتحقيق ما عجز عن تحقيقه منذ نكبة 1948.

مخطط التطبيع مع إسرائيل مستمرّ وعربة التطبيع ماضية في اختراق الجدار العربي المهلهل، ولن تنفع ردود الأفعال العربية في وقف هذا التطبيع الذي ترعاه جهاتٌ كثيرة لا يهمها أمن فلسطين ولا أمن العرب والمسلمين ولا أمن الخليج ولا أمن المنطقة العربية برمتها وإنما يهمها أمن إسرائيل. إن إسرائيل لا تزال يصدق عليها قول الله تعالى: “لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصّنة أو من وراء جُدر”. إنَّ إسرائيل لا تقف وحدها في معركتها ضدَّ العرب بل تقف إلى جانبها وتساندها قوى كثيرة، وهي مؤسسة الصهيونية العالمية ومؤسسة الماسونية العالمية وبعض الدوائر السياسية الغربية والعربية التي تغازل وتغالط العرب باللعب على وتر السلام.

إنَّ السلام بين العرب وإسرائيل الذي تروج له هذه الجهات سلامٌ مستحيل من عدة وجوه:

أولا: إن الأساطير التوراتية والتلمودية التي أسِّست عليها  “إسرائيل” تؤكد أن هذه الأخيرة لا تؤمن إلا بسلام على طريقة إله العهد القديم الذي أمر بإبادة جماعية الحثيين والجرجاشيين والأموريين والكنعانيين وغيرهم… ويحتفي العهد القديم بهذه الإبادة كما نقرأ في سفر التثنية: “متى أتى بك الربُّ إلهك إلى الأرض التي أنت داخلٌ إليها لتملكها، وطرد شعوبا كثيرة من أمامك: الحثيين والجرجاشيين والأموريين والكنعانيين والفرزيين والحويين واليبوسيين، سبع شعوب أكثر وأعظم منك، دفعهم الرب إلهُك أمامك، وضربتهم، فإنك تحرمهم. لا تقطع لهم عهدا، ولا تشفق عليهم”.

ثانيا: إن مسار المفاوضات “الإسرائيلية” الفلسطينية التي جرت تحت شعار “الأرض مقابل السلام” و”حل الدولتين” لم تفض إلى السلام؛ لأن غاية إسرائيل من هذه المفاوضات هي ربح الوقت واستدراج الطرف الفلسطيني والعربي إلى مزيد من التنازلات المجّانية التي تخدم إسرائيل ولا تخدم عملية السلام.

ثالثا: يؤمن “ديفيد بن غوريون”، وهو من القيادات الصهيونية التاريخية كما جاء في كتاب”الرجل العجوز ” الذي أعدّه الصحفي الإسرائيلي “توم ساغيف” بأن السلام مع العرب مستحيل، إذ يقول “ديفيد بن غوريون” في هذا الصدد: “لا يوجد حلّ. هناك هوّة في العلاقة بين الطرفين، لا يمكن تفاديها”. وقبل ثلاثين عاماً من إعلان قيام إسرائيل، قال عن فلسطين: “نحن نريد أن تصبح تلك الأرض وطناً للأمة. ويريد العرب أيضا الأرض ذاتها وطناً لهم. ولا أعرف عربياً واحداً يمكنه التنازلُ عن موقفه، والموافقة على تحويل الأرض إلى وطن لليهود”.

رابعا: إن عملية التطبيع مع العرب التي رتب لها “دونالد ترامب” وعدها “بن يامين ناتنياهو” مكسبا سياسيا وقوميا لإسرائيل والإسرائيليين إنما هي في الحقيقة تطبيع أنظمة والأنظمة زائلة وغير أبدية، وتظل الشعوب العربية وبعض الأنظمة العربية أيضا –للأمانة- رافضة للتطبيع مع الكيان الإسرائيلي ومتمسكة بمواقفها اتجاه هذا الكيان الذي يتمادى في خرق حقوق الإنسان وهدم الجسور بين أتباع الأديان.

خامسا: إن التطبيع مهما اتسعت دائرتُه وكثُر مريدوه وزبناؤه، لن يحوِّل إسرائيل إلى كيان طبيعي، بل سيزيد من غربة هذا الكيان في المنطقة العربية وسيصعِّد من وتيرة الرفض العربي له. من مصلحة “إسرائيل”، كما نصحها قادتها الدينيون، أن تبقى على مسافة بعيدة من العرب إذا هي أرادت أن تحافظ على ديمومة وجودها، فإن لم تفعل استدرِجت إلى حتفها ونهايتها المحتومة.

سادسا: هناك من السياسيين والمفكرين من يخلط بين التطبيع والتعايش المشترَك ويتهم العرب الرافضين للتطبيع بأنهم “دعاة كراهية”، هذه عملية تضليل مكشوفة؛ ذلك أن التعايش المشترَك بين الدول والشعوب يقوم على ثلاث ركائز أساسية: أولها وجود كيانات شرعية، فشرعية هذه الكيانات شرط أساسي لقبول التعايش معها، وثانيها أن تلتزم هذه الكيانات بميثاق التعايش الذي تتعهد بموجبه بعدم الاعتداء على الآخر، وثالثها أن تساهم هذه الكيانات جميعا في تحقيق السلام، وللأسف أن كل هذه الشروط غير متحققة في الحالة الإسرائيلية. في التاريخ العربي والإسلامي إلى سقوط غرناطة وما بعدها صورٌ جميلة للتعايش المشترك بين أتباع الديانات المختلفة بما فيها اليهود، ولكن إسرائيل الحالية ناقضة من نواقض التعايش ومن نواقض السلام.

سابعا: الرواية الإسرائيلية للسلام تقوم على فكرة “السلام لإسرائيل والحياة الكريمة للفلسطينين!؟” أي أن أقصى ما يحصل عليه الفلسطينيون هي “حياة كريمة” تضمن لهم أرضا كرقعة الشطرنج للعيش عليها ولكنها غير آمنة في الغالب ومعرضة للاعتداءات الصهيونية بين الفينة والأخرى، وفي المقابل فإن ما تحصل عليه إسرائيل يتجاوز هذا بكثير وهو ضمان الأمن القومي لإسرائيل، إذن فما قيمة سلام يحقق الأمن لطرف وينزعه عن الآخر مع سبق الإصرار والترصد؟

ثامنا: كل اتفاقيات التطبيع مع إسرائيل مآلها الفشل لأن وجود إسرائيل في الشرق الأوسط سينعش تيار المقاومة، وسيؤدِّي إلى تشكل تحالفات جديدة في المنطقة وستجد إسرائيل نفسها ولو على المدى الطويل في وضع لا تُحسد عليه لا يسمح لها بالبقاء ولا بالانسحاب، وسينقلب السحر على الساحر وسيتحوّل التطبيع عند من رحّبوا به وهللوا له، من وسيلة لتحقيق الأمن إلى وسيلة لجلب المحن والإحن ما ظهر منها وما بطن.

تاسعا: شعار “السلام مقابل السلام” أو “صفقة سلام” كما سماها من تولوا كبرها، هو مجرّد ضحك على الأذقان؛ فالسلام لا يتحقق في الحالتين: حالة إسرائيل المحاصرة بماضيها وحاضرها الدموي في فلسطين والشرق الأوسط، وحالة العرب المطبِّعين الذين سيكتشفون بعدما تنتهي نشوة السلام العابرة أنهم قد غُرِّر بهم وأن السلام مع إسرائيل “كسرابٍ بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا”.

عاشرا: إن التطبيع مع إسرائيل لن يحقق السلام، والدليل على ذلك أن إسرائيل ضربت بمبادرة السلام العربية عرض الحائط، وهي المبادرة التي تضمنها إعلان بيروت الصادر في ختام القمة العربية الرابعة عشر سنة 2002، والتي من بنودها: الانسحاب الكامل من الأراضي العربية المحتلة عام 1967 بما فيها هضبة الجولان، وحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين تنفيذا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194، والاعتراف بقيام دولة فلسطينية ذات سيادة على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967.

إن التطبيع مع إسرائيل جرعة أوكسجين مجانية لكيان مغتصِب تمادى في احتقار العرب الذين مات فيهم الضميرُ والنخوة العربية وأصابهم الهوان، وصدق الشاعر إذ يقول: من يهُن يسهل الهوان عليه.. ما لجرح بميت إيلام.

لماذا يلهث العرب للتطبيع مع الكيان الصهيوني؟!

ما كان محجوبًا بالأمس تحت الطاولة أُميطَ لثامهُ اليوم وأُعلن بكل فخرٍ وبشكلٍ رسمي ومن أعلى الهرم، في الوقت الذي تتصاعد فيه أحداث مسرحية القتل والتدمير الإسرائيلي بحقِ الشعب الفلسطيني، التي وصلت ذروتها في ظل أكثر الحكومات الإسرائيلية عنصرية وتطرّفا دينياً وإجراماً، التي ارتكبت جرائم لا تحصى بحق العرب والمسلمين، بلغت درجة البقاء ضد الإنسانية، مما دفع الشعوب الشريفة الحرة لنهوض ضد حكام العرب الذين قَبِلوا بتلك الجرائم وتعاموا معها وكأنّها لم ترتكب، وهو ما يسمى التطبيع الذي كان عادة سرية وأصبح الآن علانية.

نعم، هذا هو الموقف البراغماتي الذي لم يتوقعه الشعب الفلسطيني من حكام العرب، بل من المجتمع الدولي برمته فالإمارات كعادتها، تصر على لعب دور الحليف الأول للصهاينة في المنطقة ورائدة التطبيع معهم، وتستقبل وفداً رياضياً صهيونيًا للمشاركة في بطولة للجودو، على رأسه وزيرة الثقافة والرياضية الليكودية المتطرفة (ميري ريغف)، التي عرفت بتصريحاتها العدائية ضد الفلسطينيين والعرب، بل وقد سبق أن وجهت إهانة مباشرة لأبوظبي، والتي استقبلتها استقبالاً رسمياً حافلاً، وقد تخلل المسابقة وللمرة الأولى عربياً ظهور الإسرائيليين مع رموزهم كرفع علمهم وعزف النشيد الوطني الإسرائيلي للمرة الأولى بعد أن أحرز أحد الرياضيين الميدالية الذهبية في بطولة عالمية للجودو.

وقد توجّه بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي للاعب الجودو ساغي موكي بالقول: "جلبت لنا فخرًا عظيما حيث تم بفضلك عزف نشيدنا الوطني لأول مرة في أبو ظبي. جميعنا نفتخر بك كثيرا!"، وقد اعتبرت وزيرة الاحتلال ذلك أنه "قرار تاريخي له دلالات بعيدة المدى". لم تنتهي أحداث المسلسل الدرامي إلى هذا الحد، بل واصلت وزيرة الثقافة عربدتها، حيث ارتدت ثوب العفةِ والطهارة، وتخفت وراء عباءة عربية وكست نفسها بطرحة على رأسها، ليكتمل المشهد التمثيلي المفضوح، وتنال اللقطة التي كانت تريدها، وهي زيارة مسجد الشيخ زايد، أحد أشهر معالم أبو ظبي. بينما قطر التي تستعد لاستقبال كأس العالم في 2022، نجدها تستضيف بطولة العالم للجمباز الفني 2018 (وهي لعبة فردية وغير شعبية أساسا) ثم تستقبل بها فريق إسرائيلي مكون من ستة لاعبين ولاعبتين – بينهم جندي إسرائيلي – كما تم استضافة أيضًا حكاماً من "الاتحاد الإسرائيلي للجمباز"، وقد تم خلال البطولة رفع العلم الإسرائيلي!

مخاطر التطبيع أبلغ بكثير من أن يذكرها قلم أو ينطق بها لسان، وخاصة التطبيع الثقافي الذي سيقود المنطقة بل الأمة كلها إلى كارثة، بسيطرة على روحها وعقلها وفكرها ووجدانها الذي هو أسمى الأهداف الاستراتيجية لدى الاحتلال الصهيوني

وفي ذات الوقت، إذ فجأة نستمع في نشرات الأخبار لاسم سلطنة عمان، واسم حاكمها السلطان قابوس، التي بالكاد نعرف أنهم متواجدون معنا على ذات الكوكب، بسبب ابتعادهم التام عن مجريات الأحداث، ليصدمنا مشهد استضافتهم لرئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو في العاصمة مسقط. كما ذكرت الكاتبة شرين عرفة على حسابها في الفيس بوك.

كل هذا يفسر تماماً حقيقة الارتباط العضوي بين إسرائيل ودول الخليج، في الوقت الذي يستمر فيه الصهاينة بقصف مدينة غزة الصامدة والمحاصرة، ومع استمرار القتل والاغتيالات للشعب الأعزل والأطفال الأبرياء. كل هذا يدل على درجة التنسيق والتعاون المشترك بين الجانبين فيما يخص العمل على حل القضية الفلسطينية وتمرير صفقة القرن، إضافة إلى محاولة لإضعاف أي دولة تهدد المشروع الصهيوني، وفي مقدمتها الفصائل الفلسطينية وإيران. ذكر عدنان عدوان في مقال له "أنه بغضِّ النظر عن الشكل، فإن فحوى التطبيع مع العدو الصهيوني يبقى واحداً وهو جعل الوجود اليهودي في فلسطين أمراً طبيعياً، وبالتالي فإن أي عمل أو قول أو صمت أو تقاعس يؤدي إلى التعامل مع الوجود اليهودي في فلسطين كأمر طبيعي يحمل في طياته معنىً تطبيعيه".

إن مخاطر التطبيع أبلغ بكثير من أن يذكرها قلم أو ينطق بها لسان، وخاصة التطبيع الثقافي الذي سيقود المنطقة بل الأمة كلها إلى كارثة، بسيطرة على روحها وعقلها وفكرها ووجدانها الذي هو أسمى الأهداف الاستراتيجية لدى الاحتلال الصهيوني. ومن هنا، لا بد للشعوب العربية والإسلامية من أن تشهر سلاح الثورة على التطبيع والمطبعين بشتى الطرق والوسائل، التي هي ليس أكثر من رد فعل تلقائي لدى كل مسلم عربي في مواجهة من يستهدف مبادئه وعقائده وقيمه وتراثه الديني والحضاري.


 

"لم يبق لإسرائيل سوى الجزائر!"

 يرى خبراء أمنيون أن وضع إسرائيل للجزائر في قائمة “أشد أعدائها”، مرتبط بأسباب تاريخية قبل أن تكون متعلقة بقدرات الجيش الجزائري وتطور ترسانته العسكرية. وأوضح هؤلاء لـ«الخبر”، أن “إسرائيل تستجدي بعض وسائل الإعلام لإعطائها معلومات عن الجزائر، بغرض تأليب الرأي العام الدولي ضدها، على أساس أنها تشكل خطرا عليها رغم بعد المسافة”.

قال الخبير الأمني والضابط المتقاعد عبد العزيز مجاهد، إن “الجزائر بالنسبة لإسرائيل تصنف من أعدائها الدائمين، أولا لأن بلادنا تعترف بحق الشعب الفلسطيني الذي ترفضه وتحاربه إسرائيل، وأيضا لأن الدولة الجزائرية أضحت لديها قاعدة أن ما يقبله الشعب الفلسطيني، يقبله الجزائريون بلا تردد، فتحولت هذه القاعدة مع الوقت إلى مبدأ بالنسبة للجزائر”. وأوضح مجاهد أن “الثورة الفلسطينية قامت بفضل الجزائر وبمساعدة منها ومن جميع الجوانب، فنجحت الجزائر في فرض القضية الفلسطينية على العرب قبل العالم، فكنا أول من استقبل الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، وأول من جلب لمنظمة التحرير الفلسطينية منصب ملاحظ في الأمم المتحدة، وأهم من هذا أيضا نجاحنا في فرض إعلان الصهيونية توجها عنصريا”. وأفاد مجاهد بأن “إسرائيل تعلم أن مواقف الجزائر قارة وثابتة، خصوصا وأن كل العرب تقريبا لهم علاقات مع إسرائيل، إلا الجزائر، إذن مع توفر كل هذه الأسباب من الطبيعي أن تعتبر إسرائيل الجزائر عدوا، وتسعى إلى تأليب الرأي العام العالمي واللوبيات ضدها”.

 لكن من المستفيد؟ سؤال  يجيب عليه محدثنا قائلا: “المستفيد هم أعداء الجزائر، لهذا تسعى إسرائيل عن طريق الإعلام التأثير في الرأي العام العالمي ضد الجزائر”. وتابع مجاهد: “وهذا رغم تباعد المسافات، فالجزائر أيدت القضية الفلسطينية رغم بعد المسافة، أما تركيز إسرائيل الاهتمام على الجزائر، كونها مازالت ترفض فكرة التطبيع مع الكيان الصهيوني، فمصر لها سفارة إسرائيلية، وتونس تربطها بالإسرائيليين علاقات دينية، والعراق تعاني وسوريا هي الأخرى، فلم يبق سوى الجزائر”.

بدوره، ذكر الخبير الأمني والضابط المتقاعد الطاهر فريوي بأن “تخوف إسرائيل من الجزائر راجع لسبب تاريخي. فمنذ عهد الرئيس الراحل هواري بومدين، فرضت الجزائر تعاملا متشددا ضد إسرائيل”.

وأضاف فريوي: “من الطبيعي أن تراقب إسرائيل كثيرا الجزائر، خصوصا وأن هذه الأخيرة ركّزت في السنوات الأخيرة على تجهيز وتطوير جيشها، كما أن إسرائيل تتخوف أيضا من احتمال صعود الإسلاميين إلى الحكم في الجزائر، وهذا تضعه ضمن اهتماماتها”. لكن المسافات بعيدة بين الجزائر وإسرائيل؟ يجيب محدثنا: “نعم فهي تخشى المجهول البعيد عنها مثل الجزائر وباكستان، والاهتمام بهذين البلدين بالنسبة لإسرائيل هو ضرورة قصوى، ومخابراتها تعمل ليلا ونهارا لمعرفة ما يجري في الحلقات الضيقة داخل النظامين”.

إرسال تعليق

0 تعليقات